فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الحجة الثالثة: ما نقل عن علي رضي الله عنه أنه قال: إن الله تعالى ما بعث آدم عليه السلام ومن بعده من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلا أخذ عليهم العهد لئن بعث محمد عليه الصلاة والسلام وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، فهذا يمكن نصرة هذا القول به والله أعلم.
الاحتمال الثاني: إن المراد من الآية أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يأخذون الميثاق من أممهم بأنه إذا بعث محمد صلى الله عليه وسلم فإنه يجب عليهم أن يؤمنوا به وأن ينصروه، وهذا قول كثير من العلماء، وقد بينا أن اللفظ محتمل له وقد احتجوا على صحته بوجوه:
الأول: ما ذكره أبو مسلم الأصفهاني فقال: ظاهر الآية يدل على أن الذين أخذ الله الميثاق منهم يجب عليهم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم عند مبعثه، وكل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يكونون عند مبعث محمد صلى الله عليه وسلم من زمرة الأموات، والميت لا يكون مكلفًا فلما كان الذين أخذ الميثاق عليهم يجب عليهم الإيمان بمحمد عليه السلام عند مبعثه ولا يمكن إيجاب الإيمان على الأنبياء عند مبعث محمد عليه السلام، علمنا أن الذين أخذ الميثاق عليهم ليسوا هم النبيّين بل هم أمم النبيّين قال: ومما يؤكد هذا أنه تعالى حكم على الذين أخذ عليهم الميثاق أنهم لو تولوا لكانوا فاسقين وهذا الوصف لا يليق بالأنبياء عليهم السلام وإنما يليق بالأمم، أجاب القفال رحمه الله فقال لم لا يجوز أن يكون المراد من الآية أن الأنبياء لو كانوا في الحياة لوجب عليهم الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام، ونظيره قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وقد علم الله تعالى أنه لا يشرك قط ولكن خرج هذا الكلام على سبيل التقدير والفرض فكذا هاهنا، وقال: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين} [الحاقة: 44، 45، 46] وقال في صفة الملائكة {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إني إله مّن دُونِهِ فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِى الظالمين} [الأنبياء: 29] مع أنه تعالى أخبر عنهم بأنهم لا يسبقونه بالقول وبأنهم يخافون ربهم من فوقهم، فكل ذلك خرج على سبيل الفرض والتقدير فكذا هاهنا، ونقول أنه سماهم فاسقين على تقدير التولي فإن اسم الفسق ليس أقبح من اسم الشرك، وقد ذكر تعالى ذلك على سبيل الفرض والتقدير في قوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] فكذا هاهنا.
الحجة الثانية: أن المقصود من هذه الآية أن يؤمن الذين كانوا في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا كان الميثاق مأخوذًا عليهم كان ذلك أبلغ في تحصيل هذا المقصود من أن يكون مأخوذًا على الأنبياء عليهم السلام، وقد أجيب عن ذلك بأن درجات الأنبياء عليهم السلام، أعلى وأشرف من درجات الأمم، فإذا دلت هذه الآية على أن الله تعالى أوجب على جميع الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد عليه السلام لو كانوا في الأحياء، وأنهم لو تركوا ذلك لصاروا من زمرة الفاسقين فلأن يكون الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم واجبًا على أممهم لو كان ذلك أولى، فكان صرف هذا الميثاق إلى الأنبياء أقوى في تحصيل المطلوب من هذا الوجه.
الحجة الثالثة: ما روي عن ابن عباس أنه قيل له إن أصحاب عبد الله يقرؤن {وَإِذْ أَخَذَ الله ميثاق الذين أُوتُواْ الكتاب} ونحن نقرأ {وَإِذْ أَخَذَ الله ميثاق النبيين} فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنما أخذ الله ميثاق النبيّين على قومهم.
الحجة الرابعة: أن هذا الاحتمال متأكد بقوله تعالى: {يابنى إسرائيل اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} وبقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ الله ميثاق الذين أُوتُواْ الكتاب لَتُبَيّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187] فهذا جملة ما قيل في هذا الموضوع، والله أعلم بمراده. اهـ.

.قال الطبري:

وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: الخبرُ عن أخذ الله الميثاقَ من أنبيائه بتصديق بعضهم بعضًا، وأخذ الأنبياء على أممها وتُبَّاعها الميثاقَ بنحو الذي أخذَ عليها ربُّها من تصديق أنبياء الله ورسله بما جاءتها به لأن الأنبياء عليهم السلام بذلك أرسلت إلى أممها. ولم يدَّع أحدٌ ممن صدَّق المرسلين، أن نبيًّا أرسِل إلى أمة بتكذيب أحد من أنبياء الله عز وجل وحُجَجه في عباده بل كلها وإن كذب بعض الأمم بعض أنبياء الله، بجحودها نبوّته مقرّةٌ بأنّ من ثبتت صحّة نبوته، فعليها الدينونة بتصديقه. فذلك ميثاق مقرٌّ به جميعهم.
ولا معنى لقول من زعم أن الميثاق إنما أخذ على الأمم دون الأنبياء. لأن الله عز وجل قد أخبر أنه أخذ ذلك من النبيين، فسواءٌ قال قائل: لم يأخذ ذلك منها ربها أو قال: لم يأمرها ببلاغ ما أرسلت، وقد نصّ الله عز وجل أنه أمرها بتبليغه، لأنهما جميعًا خبرَان من الله عنها: أحدهما أنه أخذ منها، والآخر منهما أنه أمرَها. فإن جاز الشك في أحدهما، جازَ في الآخر.
وأما ما استشهد به الربيع بن أنس، على أن المعنيَّ بذلك أهلُ الكتاب من قوله: {لتؤمنن به ولتنصرنه}، فإن ذلك غير شاهد على صحة ما قال. لأن الأنبياء قد أمر بعضُها بتصديق بعض، وتصديقُ بعضها بعضًا، نُصرةٌ من بعضها بعضًا. اهـ.

.قال ابن عادل:

العامل في {إذْ} وجوه:
أحدها: اذكر إن كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: اذكروا إن كان الخطاب لأهل الكتابِ.
الثالث: اصطفى، فيكون معطوفًا على {إذْ} المتقدمة قبلها، وفيه بُعْدٌ؛ بل امتناع؛ لبُعْده.
الرابع: أن العامل فيه {قَالَ} في قوله: {قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ} وهو واضح.
وميثاق، يجوز أن يكون مضافًا لفاعله، أو لمفعوله، وفي مصحف أبيّ وعبد الله وقراءتهما: {مِيثَاقَ الذين أُوتُواْ الكتاب} [آل عمران: 187].
وعن مجاهد، وقال: أخطأ الكاتب.
قال شهابُ الدين: وهذا خطأٌ من قائله- كائنًا مَنْ كان- ولا أظنه عن مجاهد؛ فإنه قرأ عليه مثل ابن كثير وأبي عمرو بن العلاء، ولم يَنْقُلْ عنه واحدٌ منهما شيئًا مِنْ ذلك. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {لَمَا ءَاتَيْتُكُم مّن كتاب وَحِكْمَةٍ}:

.قال الفخر:

قرأ الجمهور {لَّمًّا} بفتح اللام وقرأ حمزة بكسر اللام وقرأ سعيد بن جبير {لَّمًّا} مشددة، أما القراءة بالفتح فلها وجهان:
الأول: أن ما اسم موصول والذي بعده صلة له وخبره قوله: {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ} والتقدير: للذي آتيتكم من كتاب وحكمة، ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به، وعلى هذا التقدير ما رفع بالابتداء والراجع إلى لفظة ما وموصولتها محذوف والتقدير: لما آتيتكموه فحذف الراجع كما حذف من قوله: {أهذا الذي بَعَثَ الله رَسُولًا} [الفرقان: 41] وعليه سؤالان:
السؤال الأول: إذا كانت ما موصولة لزم أن يرجع من الجملة المعطوفة على الصلة ذكر إلى الموصول وإلا لم يجز، ألا ترى أنك لو قلت: الذي قام أبوه ثم انطلق زيد لم يجز.
وقوله: {ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدّقٌ لّمَا مَعَكُمْ} ليس فيه راجع إلى الموصول، قلنا: يجوز إقامة المظهر مقام المضمر عند الأخفش والدليل عليه قوله تعالى: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} [يوسف: 90] ولم يقل: فإن الله لا يضيع أجره، وقال: {إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف: 30] ولم يقل: إنا لا نضيع أجرهم وذلك لأن المظهر المذكور قائم مقام المضمر فكذا هاهنا.
السؤال الثاني: ما فائدة اللام في قوله: {لَّمًّا}؟
قلنا: هذه اللام هي لام الابتداء بمنزلة قولك: لزيد أفضل من عمرو، ويحسن إدخالها على ما يجري مجرى المقسم عليه لأن قوله: {إِذْ أَخَذَ الله ميثاق النبيين} بمنزلة القسم والمعنى استحلفهم، وهذه اللام المتلقية للقسم، فهذا تقرير هذا الكلام.
الوجه الثاني: وهو اختيار سيبويه والمازني والزجاج أن ما هاهنا هي المتضمنة لمعنى الشرط والتقدير ما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به، فاللام في قوله: {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ} هي المتلقية للقسم، أما اللام في {لَّمًّا} هي لام تحذف تارة، وتذكر أخرى، ولا يتفاوت المعنى ونظيره قولك: والله لو أن فعلت، فعلت فلفظة أن لا يتفاوت الحال بين ذكرها وحذفها فكذا هاهنا، وعلى هذا التقدير كانت ما في موضع نصب بآتيتكم {وَجَاءكُمُ} جزم بالعطف على {ءاتَيْتُكُم}.
و{لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ} هو الجزاء، وإنما لم يرض سيبويه بالقول الأول لأنه لا يرى إقامة المظهر مقام المضمر، وأما الوجه في قراءة {لَّمًّا} بكسر اللام فهو أن هذا لام التعليل كأنه قيل: أخذ ميثاقهم لهذا لأن من يؤتى الكتاب والحكمة فإن اختصاصه بهذه الفضيلة يوجب عليه تصديق سائر الأنبياء والرسل (وَمَا) على هذه القراءة تكون موصولة، وتمام البحث فيه ما قدمناه في الوجه الأول، وأما قراءة {لَّمًّا} بالتشديد فذكر صاحب الكشاف فيه وجهين:
الأول: أن المعنى: حين آتيتكم بعض الكتاب والحكمة، ثم جاءكم رسول مصدق له، وجب عليكم الإيمان به ونصرته.
والثاني: أن أصل {لَّمًّا} لمن ما فاستثقلوا اجتماع ثلاث ميمات، وهي الميمان والنون المنقلبة ميمًا بإدغامها في الميم فحذفوا إحداها فصارت {لَّمًّا} ومعناه: لمن أجل ما آتيتكم لتؤمنن به، وهذا قريب من قراءة حمزة في المعنى. اهـ.

.قال ابن عادل:

قرأ العامَّة: {لما آتيتكم} بفتح لام {لما} وتخفيف الميم، وحمزة- وحده- على كسر اللام. وقرأ الحسن وسعيد بن جبير {لَمَّا} بالفتح والتشديد.
فأما قراءة العامة ففيها خمسة أوجه:
أحدها: أن تكون ما موصولة بمعنى الذي، وهي مفعولة بفعل محذوف، ذلك الفعل هو جواب القسم والتقدير: واللهِ لَتُبَلِّغُنَّ ما آتيناكم من كتاب. قال هذا القائلُ: لأن لامَ القسَم إنما تقع على الفعل فلما دلت هذه اللام على الفعل حُذِف. ثم قال تعالى: {ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} وهو محمد صلى الله عليه وسلم قال: وعلى هذا التقدير يستقيم النَّظْمُ.
وقال شهاب الدينِ: وهذا الوجه لا ينبغي أن يجوز ألبتة؛ إذ يمتنع أن تقول في نظيره من الكلام: والله لزيدًا تريد: والله لنضربن زيدًا.
الوجه الثاني: وهو قول أبي علي وغيره: أن تكون اللام- في {لَمَا}- جواب قوله: {مِيثَاقَ النبيين} لأنه جارٍ مَجْرَى القسم، فهي بمنزلة قولك: لزيدٌ أفضل من عمرو، فهي لام الابتداء المتلَقَّى بها القسم وتسمى اللام المتلقية للقسم.
وما مبتدأة موصولة و{آتيتكم} صلتها، والعائد محذوف، تقديره: آتيناكموه فحذف لاستكمال شرطه. و{مِّن كِتَابٍ} حال- إما من الموصول، وإما من عائده- وقوله: {ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} عطف على الصلة، وحينئذٍ فلابد من رابط يربط هذه الجملةَ بما قبلها؛ فإن المعطوفَ على الصلة صِلة.
واختلفوا في ذلك، فذهب بعضهم إلى أنه محذوف، تقديره: جاءكم رسول به، فحذف {به} لطول الكلام ودلالة المعنى عليه. وهذا لا يجوز؛ لأنه متى جُرَّ العائدُ لم يُحْذَف إلا بشروط، وهي مفقودةٌ هنا، وزعم هؤلاء أن هذا مذهب سيبويه، وفيه ما قد عرفت، ومنهم من قال: الربط حصل- هنا- بالظاهر، لأن الظاهر- وهو قوله: {لما معكم} صادق على قوله: {لما آتيناكم} فهو نظير: أبو سعيد الذي رويت عن الخدري، والحجاج الذي رأيت أبو يوسف.
وقال: [الطويل]
فَيَا رَبَّ لَيْلَى أنْتَ في كُلِّ مَوْطِنٍ ** وَأنْتَ الَّذِي فِي رَحْمةِ اللهِ أطْمَعُ

يريد رويت عنه، ورأيته، وفي رحمته. فأقام الظاهر مقام المضمر، وقد وقع ذلك في المبتدأ والخبر، نحو قوله تعالى: {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف: 30] ولم يقل: إنا لا نضيع، وقال تعالى: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} [يوسف: 90] ولم يقل: لا يضيع أجره وهذا رأي أبي الحسن والأخفش. وقد تقدم البحث فيه.
ومنهم من قال: إن العائد يكون ضمير الاستقرار العامل في مَعَ و{لتؤمنن به} جوابُ قسمٍ مقدرٍ، وهذا القَسَم المقدَّر وجوابه خبر للمبتدأ الذي هو {لما آتيناكم} والهاء- في {بِهِ}- تعود على المبتدأ، ولا تعود على {رَسُولٌ} لئلاَّ يلزم خلُوّ الجملة الواقعة خبرًا من رابط يربطها بالمبتدأ.
الوجه الثالث: كما تقدم، إلا أن اللام في {لَمَا} لام التوطئة؛ لأن أخذ الميثاق في معنى الاستخلاف. وفي {لتؤمنن} لام جواب القسم، هذا كلام الزمخشريِّ. ثم قال: وما تحتمل أن تكون المتضمنة لمعنى الشرط، و{لَتُؤمِنُنَّ} سادّ مَسَدّ جواب القَسَم والشرط جميعًا، وأن تكون بمعنى الذي. وهذا الذي قاله فيه نظرٌ؛ من حيثُ أن لام التوطئة تكون مع أدوات الشرط، وتأتي- غالبًا- مع إن أما مع الموصول فلا يجوزُ في اللام أن تكون موطئةً وأن تكون للابتداء. ثم ذكر في ما الوجهين، لحملنا كل واحد على ما يليق به. الوجه الرابع: أن اللام هي الموطئة، وما بعدها شرطية، ومحلها النصب على المفعول به بالفعل الذي بعدها- وهو {آتيْنَاكُمْ}، وهذا الفعل مستقبل معنًى؛ لكونه في جزاء الشرط، ومحله الجزم، والتقدير: واللهِ لأي شيء آتيتكم من كذا وكذا ليكونن كذا، وقوله: {مِّن كِتَابٍ}، كقوله: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106] وقد تقدم تقريره. وقوله: {ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ} عطف على الفعل قبله، فيلزم أن يكون فيه رابط يربطه بما عُطِف عليه، و{لَتُؤمِنُنَّ} جواب لقوله: {أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين} وجواب الشرط محذوف، سَدَّ جوابُ القسم مَسَدَّه، والضمير في {بِهِ} عائد على {رَسُولٌ}، كذا قال أبو حيّان.
قال شهاب الدين: وفيه نظر؛ لأنه يمكن عودُه على اسم الشرط، ويُستغنَى- حينئذٍ- عن تقديره رابطًا.
وهذا كما تقدم في الوجه الثاني ونظير هذا من الكلام أن نقول: أحلف بالله لأيهمْ رأيت، ثم ذهب إليه رجل قرشي لأحسنن إليه- تريد إلى الرجل- وهذا الوجه هو مذهب الكسائي.
وقد سأل سيبويه الخليل عن هذه الآية، فأجاب بأن ما بمنزلة الذي، ودخلت اللام على ما كما دخلت على إن حين قلت: والله لئن فعلت لأفعلن، فاللام التي في ما كهذه التي في إن واللام التي في الفعل كهذه اللام التي في الفعل هنا. هذا نصُّ الخليلِ.
قال أبو علي: لم يرد الخليل بقوله: إنما بمنزلة الذي كونها موصولة، بل إنها اسم كما أن الذي اسم وإما أن تكون حرفًا كما جاءت حرفًا في قوله: {وَإِنَّ كُلًا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ} [هود: 111] وقوله: {وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الحياة الدنيا} [الزخرف: 35].
وقال سيبويه: ومثل ذلك {لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ} [الأعراف: 18] إنما دخلت اللام على نية اليمين. وإلى كونها شرطية ذهب جماعة كالمازني والزجَّاج والفارسيّ والزمخشري.
قال أبو حيّان: وفيه خدش لطيف جدًّا وحاصل ما ذكر: أنهم إن أرادوا تفسير المعنى فيمكن أن يقال، وإن أرادوا تفسير الإعراب فلا يصح؛ لأن كلاَّ منهما- أعني: الشرط والقسم- يطلب جوابًا على حدة، ولا يمكن أن يكون هذا محمولًا عليهما؛ لأن الشرط يقتضيه على جهة العمل، فيكون في موضع جزمٍ، والقسم يطلبه على جهة التعلُّق المعنويّ به من غير عملٍ، فلا موضع له من الإعراب، ومحال أن يكون الشيءُ له موضع من الإعراب ولا موضع له من الإعراب. وتقدم هذا الإشكال وجوابه.